من أبطال "الوعد الصادق" الأسير المحرر حسين سليمان مقابلة خاصة

يبدو أنك خلعت البزة العسكرية؟
ـ (يبتسم) لسنا من الذين يتقيدون بالبزة العسكرية، المهم أننا مقيدون بالقضية التي نؤمن بها.

كيف تصف لنا يوم الحرية؟
ـ بصراحة يوم الحرية يوم لا يوصف..

هل استعدت نشاطك بعد التحرير؟
ـ لم أختل بنفسي بعد.. أحاول أن أتناسى ما فعله العدو بي، لكن الناس تذكرني.. واعتقد انني احتاج لبعض الوقت لأنظف ما هو عالق في ذهني من عذابات مورست..

هل المفترض أن تنسى ما فعله العدو بك، وبزملائك من المقاومين في الأسر؟
ـ لا.. لكن هناك أمور سلبية يفترض أن ننساها، بينما هناك مسائل أخرى يجب أن نستفيد منها من خلال التجربة التي خضناها مع العدو على مختلف الاصعدة النفسية والروحية والثقافية.

كيف؟
ـ من خلال الاحتكاك معه مباشرة، صرنا نفهم أكثر كيف يفكر، وكيف هو منقسم على نفسه، وأشياء أخرى.. هناك فرق كبير بين الإسرائيلي على الحدود، وفي الداخل.. لمسنا من سجانينا تلك النفسية المريضة. نحن بالنسبة لهم حشرة.. فقط هم الذين يحق لهم الحياة.

هل ازدادت قناعتك بهذا العدو؟
ـ أكيد .. هذه الثقافة يجب أن تعمم على الجميع لكي يفهموا حقيقة عدوهم..

هل بالإمكان التحدث عن عملية الأسر؟
ما يمكن قوله إنهم كانوا أكثر من عشرين جندياً وكانوا يرجفون عند الاقتراب منا، نزعوا عنا ملابسنا والاعتدة التي كانت بحوزتنا، بعدها "نزل" غضب "إسرائيل" علينا بفعل ما مُنوا به من خسائر كبيرة في الميدان، فراحوا يضربوننا بأعقاب البنادق ويمارسون علينا مختلف وسائل التعذيب. في البداية لم نشعر بالالم لكن في اليوم التالي كان الألم كبيراً.

هل كنتم تتوقعون الاسر من جانب العدو؟
ـ لا، لا.. لان ليس في ثقافتنا ما يسمى أسراً، فإما أن نستشهد وإما ان ننتصر، وخاصة اننا مقاومون مدربون جيدا على كل أنواع القتال بحيث يستطيع الواحد منا ان يناور لوحده في ارض المعركة، وذلك من خلال تكتيكات عسكرية متعددة في الزمان والمكان والظرف الذي يريده..

ما هو معروف ان عيتا صمدت في عدوان تموز، كيف تصف هذا الصمود وانت كنت هناك؟
ـ في الواقع كان هناك تكاتف وتنسيق، ورصد كافٍ للعدو، هذا فضلاً عن وجود انتشار كثيف للشباب، وبالتالي من الطبيعي ان يذوق الإسرائيلي المذلة هناك، خاصة ان الشباب الذين قاتلوا حينها قاتلوا ببسالة مع ألوية النخبة من الإسرائيليين: ايغوز، المظليين، وغولاني.. صحيح ان الإسرائيلي جيش نظامي، غير انه جبان برغم كل التجهيزات التي بحوزته، وبمجرد أن يحتك بالمقاومين يبدأ بالصراخ والبكاء.

ما هو السؤال الأول الذي طُرح عليكم في التحقيق؟
ـ بصراحة التحقيق كان على مرحلتين: المرحلة الأولى تمحورت حول ماهية مجموعاتنا العسكرية، والمرحلة الثانية كان تحقيقاً روتينياً.. السؤال الأول الذي طُرح علينا هو من الذي رمى على الدبابة التي دمرت عند حاجز القوزح، وكيف تم رميها؟ خاصة أنني كنت قريباً من تلك المنطقة.

أول كلمة بينك وبين الإسرائيلي لحظة الاعتقال؟
ـ بصراحة لم أنبس بكلمة.. فقد تعرضت لضرب مبرح في بادئ الأمر، ولم أدرك ساعئتذ ما يحصل من حولي.

أجريت معكم مقابلات تلفزيونية؟
ـ نعم وقد كانت ملفقة، وضعوا الاسئلة والاجوبة وكانت كلها بهدف النيل من المقاومة، رفضنا في البداية ولكن تحت الضغط والتعذيب.. أجريت تلك المقابلات.

عن عملية أسر الجنديين ماذا قلت لهم؟
ـ قلت الذي يفترض أن أقوله.. ولا يضر بالمقاومة.

هل كانوا يدركون انك أنت شاركت في اسر الجنديين الإسرائيليين؟.
ـ .. كانت لديهم أدلة حسية، من بينها ان بزتي وبنديقتي والتجهيز الذي كان بحوزتي كان عليها آثار دماء.. بصراحة في بادئ الأمر استطعت ان ابني ثقة بيني وبين المحقق لكي أتجنب ما يجب تجنبه في التحقيق.

هل خضعت للتعذيب؟
ـ التعذيب بدأ عندما خضعت لآلة "كشف الكذب"، وعندما رفضت مطلب أن أمدح الجيش الإسرائيلي، والتقليل من هيبة المقاومة عبر وسائل الاعلام الإسرائيلي، وذلك بهدف التأثير على معنويات رجال المقاومة.

كيف كانت أوضاعكم داخل السجن؟
ـ كان هناك اعتماد على الله عز وجل.. بالنسبة لنا المعركة لم تنته في 14 آب.. حاول الإسرائيلي كثيراً ان يكسر إرادتنا على خلفية ما أصابه من إذلال في ارض المعركة لكنه باء بالفشل.. فعلى المستوى الشخصي خضعت لسجن إفرادي ثلاث مرات، مدة كل منها سبعة أيام. والزنزانة التي سجنت فيها عبارة عن مساحة ضيقة جداً بالكاد ان أمدد جسمي لأنام، وخاصة ان طولي 186سم بحيث كنت أطوي رجلي عندما أنام على السرير الحديدي، فيما كان عرض الزنزانة بعرض بابها!.. هذه العذابات جعلتني اصمد كثيرا، وافرض على سجاني أن يغير من طريقة التعامل معي، فبدل أن يمارس علي فعل الإذلال حصل العكس، مثلاً فرض علي أن أطلب منه السجائر، فرفضت.. لا بل أقلعت عن التدخين، وكان ذلك بتاريخ 1/11/2006، حتى الرسائل التي كانت ترسل إلي من قبل الأهل كنت ارفضها حتى لا يمارس عليّ أي نوع من الضغوط أو الإذلال.

.. إذاً كان هناك حرب إرادات بينكم وبين العدو؟
ـ طبعاً.. اعتبرت أنني حققت انتصاراً عليه.. ففي السجن كنت أقول ما أريده، وأعارض على أمور لا تعجبني وان اعقبتها ضغوطات تمارس عليّ.

كابن حزب الله ما الذي جسدته من ثقافة هذا الحزب داخل السجن؟
ـ الصبر وطول الأناة اللذان كنت أتمتع بهما، بحيث أوحي للسجان أن ما تقوم به لن يؤثر على عزيمتنا، ولن تحصل على مرادك.. ونحن في الاسر كما في ميدان المواجهة.

ما الذي كان يريده؟
ـ .. انه بمجرد ان ينادي مثلاً غرفة رقم 16 عليك أن تقف وتلقي عليه التحية، او أن تنحني لأحد الضباط وهو يمر بجانبك، إلا انني رفضت ان اخضع لها.. فالإسرائيلي جبان لا يستقوي عليك إلا عندما تكون داخل زنزانتك فيقوم بالشتم وخلافه من الأفعال، الأمر الذي دفعني أن أحذّر احد ضباط الأمن بالقول له انه إذ تكررت الفعلة هذه سأشوه وجه هذا السجان بالزيت الساخن، وعلى الفور جرى وضعي في الافرادية، وبعدها اتخذت إجراءات احتياطية على باب السجن ليتفادوا أي رد فعل مني، لكن فيما بعد جرى تبديل السّجانين الثلاثة وأحد الضباط، وبالتالي تغيرت المعاملة معي بحيث صار لزاماً على نائب السجن أن يطلب مشورتنا عند أي أمر يتعلق بنا..

هل زاركم الصليب الأحمر الدولي؟
ـ .. أول ثمانية اشهر في السجن كنا معزولين عن العالم الخارجي.. أضربنا عن الطعام مرتين دون معرفة من احد..

ألم يكن هناك من تواصل مع المعتقلين الفلسطينيين؟
ـ .. أبدا على الإطلاق.

لماذا؟
ـ خشية أن ننقل تجربة المقاومة لهم..

علمتم باستشهاد الحاج عماد مغنية؟
ـ نعم .. يومها تحدثت إلى الاعلام الإسرائيلي في المحكمة رغما عن الشرطة، ووجهت كلمة إلى السفاح باراك والقاتل اولمرت، وقلت لهما بما معناه، صحيح انتم قتلتم عماد مغنية، ولكن لم تقتلوا روحه الموجودة فينا وإرادته الموجودة فينا.. هذا الكلام أزعجهم كثيراً..

كيف تصف لنا شعورك بعد اطلاق سراحك؟
ـ "مبسوط كتير.. ولحظة يصعب الواحد منا أن يصفها ببضع عبارات.. لكن الفرحة الكبيرة بلقائنا مع سماحة السيد".

ما هو مشروعك؟
ـ الى الآن لم أحدد شيئاً.. طبعا بالنسبة لخط المقاومة هو من المسلّمات عندنا.. وأنا لم أترك المقاومة لأعود اليها، الاسر هو حلقة من مسيرتي الجهادية، وإن شاء الله سأدخل معهداً في القريب العاجل لأتعلم اللغة العبرية.

هل يمكن ان يراك الإسرائيلي في مواجهة جديدة؟
.. طبعاً، واحتمال كبير في عيتا الشعب حيث تم اسري.. هناك حساب كبير بيني وبينه..

كلمة أخيرة؟
ـ أود ان أؤكد ان كل الشعارات السياسية التي رفعها الإسرائيلي طوال السنوات الطويلة جرى كسرها بخروج سمير القنطار، وأثبت من جديد فشل العمل الدبلوماسي في تحرير الاسرى.
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008

اشكرك على المرور الكريم.

شكرا على المرور الكريم وادامكي الله.